يقول المصنف رحمه الله راداً على المتواكلين من الصوفية وغيرهم: [إن الاكتساب منه فرض ومنه مستحب] فبدأ في الرد عليهم بذكر أقسام الاكتساب، فالكسب في ذاته ليس حراماً؛ بل هو أنواع: فالاكتساب الفرض: كمن يكتسب ما يقيم به نفسه ومن تجب عليه نفقته، ولو أن أحداً مات جوعاً ولم يأكل ولا من ميتة أو من خنزير أو أي شيء، لكان كقاتل نفسه، وأثم بذلك، لأنه كان يجب عليه أن يأكل ويتعاطى الأسباب.
وقال بعض العلماء مثل ذلك في التداوي أيضاً، فلو علم أن هذا الداء سيقتله، وجب عليه أن يتداوى، وحملوا قوله صلى الله عليه وسلم: {تداووا عباد الله} على الوجوب، فيجب عليه أن يتداوى.
ويجب عليه أن يكتسب ما يستر به عورته وعورة من يعول، فيجب عليه أن يكتسب حتى يستر امرأته جميعها حتى لا يرى منها شيء.
وأما الاكتساب المستحب فهو مثل قول القائل: أكتسب لأكفل اليتيم، ولأتصدق على المحتاج، ولأنشر العلم، وأطبع الكتب الطيبة، أو أبني المساجد، فهذا شيء مستحب.
وأما الكسب المباح فهو أن يزيد على ذلك ليكسب المال من طرقه الحلال دون أن يشغله عن طاعة الله سبحانه وتعالى.
وأما الكسب المكروه، فهو ما يشغله عن المستحبات والنوافل وما أشبهها.
وأما الكسب الحرام، فهو ما لا يخفى: كالربا، وكمهر البغي، وكحلوان الكاهن، وكالبيوع المحرمة التي فيها غرر أو غش، وكأي مال يأخذه على أي عمل حرام، كأن يقال له: آذِ فلاناً أو اضربه ولك أجر، وكمن استؤجر في أمر حرام، وما أشبه ذلك من الكسب المحرم.